رواية عالم أليفيا (الجزء الرابع) | عمار خليل
عالم أليفيا
2024, عمار خليل
فانتازيا
مجانا
يعرض مشهدًا مثيرًا للغموض والخيال العلمي. يتمركز الأبطال في مكان مليء بالظواهر غير المفهومة، حيث تتداخل الأبعاد الزمانية والمكانية بشكل غريب، مما يخلق جوًا من التوتر والترقب. المكان الذي وجدوا أنفسهم فيه يشبه العدم، ولكنه مليء بالكائنات الغامضة التي تراقبهم وتختبرهم.الحديث بين الشخصيات يعكس تحولات عميقة في تفكيرهم، مثل تساؤلات محمد عن الزمان والمكان،
ليلى
البطلة الرئيسية التي تدخل عالم أليفيا عبر بوابة غامضة. تجسد روح البحث عن الذات والشجاعة في مواجهة المجهول.معاذ
محارب مخلص لعالم أليفيا، يساعد ليلى ويقدم الدعم لها في مهمتها، لكنه يظهر حذرًا تجاه الغرباء.حكيم الوادي
الشخصية الحكيمة التي تكشف أسرار عالم أليفيا وتوجه المجموعة نحو مهمتهم في العثور على مفاتيح التوازن.عالم أليفيا - عمار خليل
الفصل السادس عشر: الصراع النهائي والقرار الحاسم
تدفق الضوء الغريب داخل أفق المكان البعيد الذي وقفوا فيه، ليلفت انتباه الجميع إلى ما حولهم. كانت الأرض غير مستوية، محاطة بألوان غريبة تميل إلى الظلام، ما جعلها تشبه مكانًا عميقًا تحت الأرض أو ربما داخل الكون ذاته. كانت المسافة بين العوالم غير واضحة، والحدود التي كانت بين أبعاد الزمان والمكان تكاد تتلاشى. لا شيء ثابت هنا سوى تلك الكائنات الغامضة التي لم تفهمها عقولهم بالكامل.
كان محمد يقف بعيدًا عن الجميع، عينيه مفتوحتين على اتساعها، يحاول استيعاب ما رآه من مشاهد غريبة. "هل هذا هو المستقبل؟ أم هو الماضي الذي يعيد نفسه في حلقة لا تنتهي؟" كان يفكر بصوت مرتفع، غير مدرك للصدمة التي مر بها للتو. نظر إلى معاذ، الذي كان يحاول استعادة وعيه من التأثيرات التي شعرا بها فور عبورهما إلى هذا البعد الزمني الغريب.
في الزمان الذي وجدوا أنفسهم فيه، كانت المحاور مختلفة تمامًا. هناك كانت ألوان الأفق التي تلتف حولهم بلا حدود، وكان الصوت الذي يصدر من كل شيء في هذا المكان غير مألوف. كان الحديث عن الزمن ليس مجرد مفاهيم نظرية هنا، بل كان شعورًا حقيقيًا يتنفسونه، وهو يزداد تعقيدًا مع مرور الوقت.
بدأت ليلى بملاحظة شيء غريب كان يحدث حولهم. رائحة الهواء تغيرت، ومعها أصبح المكان أكثر تطورًا من حيث الحركات التي لم تكن موجودة من قبل. كان بإمكانها رؤية كائنات ضخمة تراقبهم من بعيد، وكأنهم كانوا في حلقة من أحداث قديمة كانت قد نُسيت في الزمن.
"يجب أن نكون حذرين. هذا المكان ليس آمنًا، وعليه أن يكون محاطًا بأسرار لم نتخيلها بعد"، قالت ليلى، وهي تراقب الحركات التي تحدث من حولهم. كانت حركتها بطيئة، وعيناها مشدودتين للأفق، حيث كان المستقبل يُنسج في مكان آخر، وبطريقة غير مفهومة تمامًا.
فجأة، شعرت بيدٍ قوية على كتفها. نظرت لتجد ميار الذي كان يلتفت بحذر، بينما كانت أفكارهم تتداخل معًا في محاولة لفهم الواقع الجديد.
"أعتقد أن كل شيء هنا له علاقة بما فعلناه في الماضي. قراراتنا، أفعالنا، كلها تؤثر على ما يحدث الآن"، قالت ميار بصوت منخفض.
بينما كانت الكلمات التي كانت تتبادلها مع ليلى تتسرب في فضاء المكان، كان معاذ يحاول فك رموز المعركة القادمة. كان يعلم أنه لم يعد بإمكانهم الهروب. لقد تم أسرهم في شبكة الزمن، وعلى كل منهم اتخاذ القرار الذي يغير مجرى حياتهم وحياة الجميع في هذا العالم الجديد.
في مكان بعيد، حيث كانت الأرض تتماوج بين الزمن والأبعاد، كان يوسف يجلس بالقرب من صخرة هائلة كانت تتحرك وفقًا لتيارات الزمن. كان يتأمل ما يجري حوله، يحاول إيجاد خيط يوصله إلى حل اللغز الكبير الذي كان يتنامى في عقله.
"أين نحن؟ ولماذا هنا؟" تساءل يوسف، وكان عقله يحاول ربط الأحداث المتسارعة التي شهدها. كما لو كان في صراع مستمر مع نفسه، يحاول تحديد موقعه في هذا اللغز الزماني المعقد.
"أنت في قلب الزمان. في المكان الذي تلتقي فيه كل العوالم، وكل الأوقات. أنت في حجرة القرار"، كان الصوت الذي صدر من بعيد، معبرًا عن شيء غير واضح ولكنه مليء بالغموض.
مع مرور الوقت، بدأ الأبطال يدركون أن كل خطوة قد تأخذهم في اتجاه مختلف تمامًا. كانت الأبعاد الزمانية التي مروا بها قد بدأت تتداخل بشكل تدريجي مع مفاهيم وجودهم. كان كل شخص منهم يواجه قرارات كانت ستحدد ما إذا كانوا سيعودون إلى الحياة السابقة أم سيمضون قدمًا في رحلة غامضة لا يعرفون لها نهاية.
في تلك اللحظة، ظهر الكائن الضبابي مجددًا، وهو يبتسم ابتسامة غامضة.
"لن تنجو إلا إذا اخترتم الطريق الصحيح. إما العودة إلى الوراء، أو التقدم إلى الأمام حيث لا مفر. المستقبل ينتظركم، لكن التغيير يبدأ من هنا."
نظرت ميار إلى معاذ، ثم إلى محمد، وكانت تنوي أن تقترح عليهم أخذ القرار الصعب: العودة إلى حيث بدأوا. لكن محمد، كان يشعر بحاجته للمضي قدمًا.
"لن نعود، نحن هنا من أجل شيء أكبر من العودة. يجب أن نواصل، مهما كانت التحديات. لم نكن لنصل إلى هنا لو لم يكن لدينا هذا القدر من القوة"، قال محمد وهو يثبت قدمه.
أجابت ليلى بحزم:
"إذا كان هذا قرارنا، فدعونا ننتقل إلى ما هو قادم، ونواجهه بكل قوتنا."
وفي لحظة لا يمكن تكرارها، تفتحت أمامهم بوابة ضخمة تحوي عالمًا مختلفًا تمامًا. كانت الألوان متغيرة، والمكان مليء بأصوات غريبة غير مسموعة من قبل. بدأوا في عبور هذا الباب، حيث كانوا يبتسمون بعزم وثبات.
لكنهم لم يعلموا أن خلف هذا الباب، كان انتظارهم المجهول، وكانوا في طريق لا رجعة فيه.
الفصل السابع عشر: في عمق اللامرئي
في عمق المجهول، حيث كان كل شيء بعيدًا عن الفهم والتفسير، كانت ليلى تجلس بصمت، تراقب المكان حولها. كانت أجواء هذا العالم لا تشبه أي مكان عرفته من قبل، لا ضوء ولا ظلام، بل مزيج من الغموض الذي جعل كل شيء غير واضح. قدماها لا تكادان تلامسان الأرض، وكأنها في حالة شبحية، تطفو في بحر من الفراغ اللامحدود.
"كيف وصلنا إلى هنا؟" همست لنفسها، وعينها تتنقل في أرجاء المكان.
لم يكن هناك شيء يمكن تفسيره. كانت الأصوات مشوشة، كأنها تأتي من كل جهة، ولكنها لا تُسمع بوضوح. بدا وكأن هذا العالم ليس مكانًا حقيقيًا، بل حلقة من الأكوان المتشابكة التي لا تعرف بداية ولا نهاية.
"نحن في مكان بعيد جدًا عن العالم الذي نعرفه." قالت ميار بصوتها الخافت، يختلط فيه الذهول والقلق. "هذا ليس المكان الذي كنا نبحث عنه، أليس كذلك؟"
كانت ليلى تركز في النقطة التي أمامها، وهي تحاول تفسير ما يحدث، ولكن كل محاولاتها كانت تذهب أدراج الرياح. كان المكان حولها يرقص في تقلبات غير مرئية، وكأنما الزمن نفسه لا يُحترم هنا.
"لا أدري ماذا حدث، لكن علينا أن نكون حذرين." قال معاذ، وهو يلاحظ تبدل ملامح ليلى. "قد يكون هذا هو امتحاننا الحقيقي. قد تكون هذه النهاية... أو بداية شيء لا يمكن تصوره."
لكن، مع كل كلمة قالها، كانت ليلى تشعر بشيء يثقل صدرها. شعرت وكأنها أصبحت جزءًا من هذا المكان، وكأن وجودها في هذا العدم قد جعله أكثر واقعية مما كان عليه. كان هناك شعور غريب يراودها، شيء يربطها بهذا المكان، شيء يجعلها تسعى نحو معرفة أكثر مما كانت قد تمنت.
بينما كانت تتقدم في هذا الفضاء اللامتناهي، اكتشفت ليلى شيئًا غير متوقع. كانت الأرض تحت قدميها تبدأ في التغير. كل خطوة كانت تجعلها تغرق في هذا المجهول أكثر، ومع كل لحظة كانت أشكالًا جديدة تظهر أمام عينيها. ظلال متحركة، وألوان تتغير في فوضى عارمة، أشبه بفراغ يلتهم كل ما يقترب منه.
"هل نخطو في مسار الزمن؟" تساءلت ليلى بصوت منخفض، بينما كانت تشعر بخوفٍ عميق ينبع من داخلها. لم يكن هذا مجرد مكان فحسب، بل كان هناك شيء آخر، شيء غير مرئي يراقب تحركاتهم.
"أين نحن؟" قال يوسف، وهو يضغط على جبهته، يحاول استيعاب ما يحدث. "أحس أن الأرض تحتنا تختفي مع كل خطوة نخطوها."
ثم فجأة، ظهرت أمامهم نقطة ضوء ضعيفة في الأفق. كانت كبقعة صغيرة، لكنها كانت تزداد إشراقًا مع مرور الوقت، كأنها استجابة لدعوة غير مرئية.
"لنمضي قدما نحو الضوء. قد يكون هو الطريق الوحيد للخروج من هنا." قالت ميار، وهي تتحرك نحو النور.
لكن ليلى كانت تراقبها بصمت. كان هناك شيء في هذا الضوء لا يُشعرها بالاطمئنان. كانت في داخلها تتساءل: "هل هذا هو الحل؟ أم أننا نقع في فخ أكبر؟"
بينما كانوا يقتربون من الضوء، بدأ الجو يصبح أكثر كثافة. كان هناك ضوضاء خفيفة تتخلل المكان، وكأن الأصوات تأتي من بُعد آخر، من مكانٍ بعيدٍ جدًا. لم يكن الصوت مسموعًا بالكامل، بل كان عبارة عن همسات مشوشة.
"ما هذا الصوت؟" سأل معاذ وهو يحاول فهم ما يحدث. "كأننا نسمع همسات من الكون نفسه."
ثم، في لحظة واحدة، ظهرت صورة غامضة في وسط هذا الضوء المتلألئ. كانت صورة غير واضحة، أشبه بخيال غير ملموس. لكنها كانت تتشكل أمامهم شيئًا فشيئًا.
"من أنت؟" سأل معاذ، في محاولة لفهم ما يحدث، لكن الصوت الذي خرج منه كان مرتجفًا. "هل أنت من هذا العالم؟"
ثم بدأ الشكل يتضح، وكان يشبه كائنًا ضبابيًا، غير واضح المعالم، يغير شكله بين الحين والآخر. ولكن لم يكن هذا كائنًا عاديًا. كان يبدو وكأنه يملك القدرة على التنقل بين الأبعاد، بين العوالم.
"أنا... شيء ما... بين الأبعاد." قال الكائن بصوت ضعيف، يتخلله صدى غريب. "أنتَ الآن في نقطة التقاء بين العوالم. وما يحدث هنا ليس بأيدينا... أنتم في اختبار، لا أكثر."
"اختبار؟" قالت ليلى بصوت مشدود، وهي تتحسس خطواتها. "اختبار من؟"
"من الزمن... ومن الأشياء التي تتجاوز الفهم." قال الكائن، وصوته يتغير مع كل كلمة. "أنتم هنا للبحث عن شيء. لكن لا تسألوا عن النهاية، فليس لديكم الإجابة."
بينما كان الصوت يتلاشى تدريجيًا، بدأ المكان من حولهم يتغير بشكل مريب. كانت الألوان تتحول إلى ظلال داكنة، والأرض تحتهم تغرق في ظلام لا نهائي. شعرت ليلى أن هذا المكان ليس مجرد اختبارٍ لهم، بل كان شيئًا أكبر، شيئًا كان ينتظرهم منذ البداية.
"هل سيكون هناك مخرج؟" قالت ميار بصوتٍ متقطع. "أم أننا سقطنا في فخ لن نتمكن من الهروب منه؟"
لكن ليلى لم تجد إجابة. كانت تشعر أن الأبواب التي تطلبها مغلقة أمامها، وأن كل خطوة كانت تقودها إلى شيء آخر. كان الزمن يتحرك بشكل غريب هنا، وكأن كل لحظة تحمل معها تكاليفًا من الماضي والمستقبل، وعواقب غير مرئية.
بينما كانوا يستمرون في المسير نحو المجهول، بدأ الضوء يزداد إشراقًا حتى أصبح من المستحيل أن يغلقوا أعينهم أمامه. هل كانوا في النهاية على حافة كشف الأسرار؟ أم أنهم على وشك الدخول في معركة مع الزمن نفسه؟
الفصل الثامن عشر: بين الظلال والمجهول
كان الظلام يعم المكان، وكأن الزمن نفسه قد توقف. لم يعد أحد يعرف مكانه، ولم يعد الصوت يقطع هذا الفراغ الكثيف. كل شيء كان في حالة ضبابية، حتى الأنفاس التي يطلقها الأبطال كانت تبدو كأنها لا تتناغم مع العالم الذي يحيط بهم. كان كل شيء حولهم متداخلًا في عالم لا يتبع القوانين التي يعرفونها.
ليلى كانت تقف هناك، تنظر إلى الأمام في محاولة يائسة لفهم ما يحدث. كانت تتنقل بنظراتها بين الظلال المتحركة حولها، وكان الإحساس بالحيرة يزداد. لم يكن هناك شيء مؤكد، وكان كل شيء يبدو غير حقيقي، وكأنهم في حلقة لا نهاية لها.
"أعتقد أننا فقدنا بوصلتنا." قالت ميار بصوت منخفض، وعينيها تتنقلان في الفضاء كما لو أنها تبحث عن شيء.
لكن ليلى لم تجب. كانت أصوات الهمسات التي سمعتها في الفصل السابق ما تزال تتردد في أذنها، وكان الكائن الضبابي الذي ظهرت صورته أمامهم يطارد أفكارها. من هو هذا الكائن؟ لماذا كان يتحدث عن اختبار؟ ولماذا شعروا جميعًا أنهم على حافة حافة شيءٍ أكبر من فهمهم؟ كل هذه الأسئلة كانت تدور في ذهنها بلا توقف.
"إذا كان هذا اختبارًا، فماذا نحتاج لإجتيازه؟" همست معاذ، وهو يتأمل النقطة المضيئة التي كانت تزداد إضاءة في الأفق.
وكانت ليلى تعرف أن العودة إلى الوراء لم تعد ممكنة. أصبح كل شيء غامضًا بشكل مفزع. كل خطوة كانت تزيد من شعورها بأنها تبتعد عن الواقع، وأنها تدخل في شيء لم تكن تتوقعه أبدًا.
كان هناك شعور بوجود شيء ما يراقبهم. شيء غريب لم يكن لهم فهماً واضحًا له. وعندما تنقلت عين ليلى بين الأفق والأرض التي تحت قدميها، لاحظت أن الضوء لم يكن ينير سوى المسافة القريبة فقط، وكان الجزء البعيد من المكان مغطى في ظلام لا يرحم. وكأن هذا المدى كان عبارة عن حاجز لا يجب تجاوزه.
"هل سنعود؟" قالت ميار، وهي تقترب من ليلى وتلتفت حولها. "أو هل كان هذا مصيرنا منذ البداية؟"
ليلى شعرت بأن السؤال كان أكبر من الإجابة. ولكن في تلك اللحظة، اجتاح ذهنها شعور غريب. لم يكن الأمر مجرد مصادفة أنهم كانوا هنا. هذه الرحلة لم تكن مجرد بحث عن شيء مفقود. كانت بداية لشيء أكبر، شيء يربطهم بكل ما حولهم. قد تكون هذه النهاية، ولكن نهايتهم قد تكون أيضًا بداية لشيء أبعد.
في نفس اللحظة، بدأ الصوت يتردد من جديد، ولكنه كان مختلفًا عن أي وقت مضى. كان الصوت الآن يحيط بهم من كل جهة، وكان يأتي كهمسات غير مفهومة، ولكن مع ذلك كان هناك شيء مألوف في تلك الهمسات. كان الصوت يتكلم عنهم، ولكنه لم يكن يتكلم إليهم.
"أنت... كنت تبحثون عن إجابة." كان الصوت يقول، وكان يهتز في الأجواء حولهم. "لكن الإجابة لم تكن في المكان الذي اعتقدتم أنه النهاية. أنتم الآن في بداية ما لن تستطيعوا فهمه."
ليلى لم تستطع أن تتحمل أكثر. كانت أحاسيسها تتنقل بين الرغبة في الهروب والرغبة في الفهم. هي ومجموعتها، كانوا الآن في مواجهة شيء كان غريبًا عن إدراكهم، شيء لم يتخيلوه حتى في أسوأ كوابيسهم.
وكان الصوت يكمل: "أنتم في مكانٍ ليس له قوانين، ولا حدود. هنا، كل شيء ممكن وكل شيء مستحيل. هل أنتم مستعدون لتعلم ما وراء ما تعرفونه؟"
ليلى لم تجد جوابًا. كان الصوت يسيطر على المكان، يملأه بحضوره غير المرئي. ومع كل كلمة، كانت صورة الكائن الضبابي تتكشف أكثر، يقترب أكثر من الوجود، رغم أنه لا يزال غير ملموس.
بينما كان الصوت يتلاشى تدريجيًا، اختفت الصورة الضبابية ليظهر مكان آخر، مكان مظلمٍ مليء بالرماد. كان المكان كما لو أنه تعرض لانفجار زمني. كانت جدران هذا المكان تتموج كالماء، وكأن كل جزء من الكيان المحيط بهم يتغير مع مرور الوقت. كان الزمان والمكان لا يتبعان أي قوانين معروفة لهم، كما لو أنهم كانوا على عتبة زمنٍ آخر، حيث تتحطم كافة القوانين التي بنيت عليها حياتهم.
"لقد تجاوزنا الخط الفاصل." قال معاذ، وهو ينظر حوله. "نحن الآن في عمق المجهول، حيث لا شيء يُعدّ ممكنًا."
ليلى كانت تشعر وكأنها فقدت قدراتها على التفكير بشكل طبيعي. كانت الأشياء من حولها تتحرك ببطء، كأن الوقت نفسه أصبح أبطأ هنا. كل خطوة كانت تأخذها أكثر إلى هذا المكان العميق، وكل خطوة كانت تجعلها تشعر بأن الوقت قد يكون أعدها لهذا اللحظة فقط.
ولكن فجأة، ظهرت أمامهم صورة جديدة. كانت صورة غريبة، على الرغم من أنها كانت غير واضحة تمامًا. كانت تظهر ظلال كثيرة تتداخل مع بعضها البعض. كان هناك شكل مستدير يحوم في السماء، لكنه لم يكن كاملاً. كانت الأشكال تتبدل مع كل لحظة، وكان الظل يتغير إلى شيء آخر. كان هذا الشيء يتنقل بسرعة، كما لو أنه يعيش في بُعدٍ آخر.
"من أنت؟" قالت ليلى بصوتٍ شديد التوتر، وهي تحاول ملاحظة هذا الكائن الذي أصبح أكثر وضوحًا.
ولكن الصوت الذي رد عليها كان يأتي من مكانٍ غير مرئي، وكان يمر عبر الزمن نفسه. "أنا الذي يراقب هذا المكان. أنا الحارس بين العوالم. وما أنتم فيه ليس مجرد اختبار. هذا هو المكان الذي تتلاقى فيه الأبعاد المختلفة. والاختبار يبدأ الآن."
كانت كلمات الصوت تترك في قلب ليلى شعورًا بالقلق. لكنها في ذات الوقت كانت تشعر بأن هذا الصوت كان يقدم لها شيئًا أكثر من مجرد لغز. كان يقدم لها شيئًا يتعلق بمصيرها، لكن ما هو هذا الشيء؟ ولماذا كان هذا كله يحدث لها؟
بينما كان كل شيء من حولهم يتحرك بشكل غير طبيعي، كانت أقدامهم تحثهم على السير إلى الأمام. كانت الأرض تصبح أكثر تماسكًا، وكانت الأشجار التي ظهرت فجأة تتحرك في الأفق، وكأنها تؤدي رقصة غير مرئية.
"هل سنجد نهاية لهذا الطريق؟" قالت ميار بصوت يكاد لا يسمع.
ليلى نظرت إليها بصمت، ثم نظرت إلى المكان الذي أمامها. كانت الأبعاد حولها تتداخل في شبكة غير مرئية، وكان ما يحدث الآن أكبر من مجرد اختبار أو مغامرة. كان هذا بداية لشيء أعمق بكثير.
"نحن على وشك اكتشاف شيء سيغير كل شيء." قالت ليلى أخيرًا، بصوتٍ عميق ومتفكر.
وفي تلك اللحظة، وقف الجميع في صمت، محاطين بالأبعاد المتغيرة، منتظرين اللحظة التي ستكشف لهم الحقيقة الكاملة.
الفصل التاسع عشر: ما وراء الظلال
كان الجو متوترًا بشكل غير مسبوق، وكأنما كل شيء في هذا المكان يعيش في حالة انتظار مشحونة بالأسرار. كانت ليلى تقف في منتصف هذا الفضاء الشاسع المظلم، لا تعرف إلى أين تذهب ولا كيف تخرج من هذا العالم الذي كان يبدو وكأنه خُلق خصيصًا لتختبر فيه قدرتها على الصمود.
كل خطوة كانت تأخذها إلى الأمام كانت تزيد من الشعور بالغموض. كانت كل الأشياء من حولها تتغير بسرعة. الأرض تحت قدميها كانت تتلوى، كما لو أنها تتنفس مع العالم نفسه. الظلال كانت تتداخل مع الضوء، وكأن كل شيء قد اختلط مع بعضه البعض في هذا البُعد الغريب. كان كل شيء يبدو غير حقيقي، لكن في ذات الوقت كان حقيقيًا جدًا.
فجأة، قطع صوت غريب الصمت. صوت غريب كان يأتي من كل مكان، من الزمان والمكان معًا.
"أنتِ في المكان الذي يتداخل فيه كل شيء، ليلى." كان الصوت عميقًا ومثيرًا في آن واحد. "هنا تبدأ الحقيقة. وهنا تجدون إجابته، لكنكم لن تستطيعوا فهمه إلا إذا تخطيتم كل حدود العقل."
ليلى شعرت بنبضات قلبها تتسارع. كانت هذه اللحظة، التي كانت منتظرة طوال هذه المغامرة، تقف أمامها أخيرًا. كانت تشعر وكأن الزمن نفسه قد توقف حولها، وكأن ما يحدث الآن هو اللحظة التي سيكشف فيها الغموض الأكبر.
"لكن لماذا كل هذا؟" قالت ليلى بصوت متهدج، وعيونها تبحث في الظلام حولها. "لماذا نحن هنا؟ ولماذا هذا كله؟"
الصوت العميق عاد ليجيب، لكنه لم يكن يجيب بكلمات فقط. كان يرسل موجات من الطاقة في أرجاء المكان. كانت الطاقة تتلاعب في عقولهم، وكأنها تجعلهم يفكرون بأشياء لم يفكروا فيها من قبل.
"لأنكم أنتم، كما أنتم، تمثلون جزءًا من الأبعاد نفسها." قال الصوت، وكأن الكلمات تحمل وزنًا لا يمكن فهمه إلا بالتجربة. "أنتم هنا لأنكم على وشك اكتشاف الحقيقة التي غابت عنكم لقرون. لكن عليكم أن تدركوا أولًا أنكم لستم كما تعتقدون. أنتم لا تعرفون من أنتم بعد، وكل خطوة في هذا المكان ستقودكم إلى معرفة جزء من إجابة هذا السؤال."
وكانت الظلال تزداد كثافة، وكأنها كانت تشعر بما يدور في عقولهم. كان هناك شيء غريب حولهم، شيء كان ينفصل عن العالم الذي يعرفونه، شيء كان يتطلب منهم التغيير.
"ولكننا لا نفهم، هذا كله أكبر من قدرتنا على الفهم." قال معاذ، وهو ينظر إلى ليلى بنظرة توتر. "كيف لنا أن نكون جزءًا من هذا كله؟"
"أنتم لستم منفصلين عن العالم، بل أنتم جزء من النسيج الذي يربط هذا الكون." قال الصوت. "لكن لا يمكنكم فهم هذا إلا إذا استطعتم تجاوز حدود ما تعتقدونه واقعًا."
كل شيء حولهم بدأ يتحرك، وكأنما العالم نفسه كان يغير شكله. الأرض بدأت تتشقق، والسماء بدأت تمطر شيئًا يشبه الرماد، لكنه كان يحمل ألوانًا غريبة. كل شيء كان يبدو غريبًا وغير معقول.
وكان الكائن الضبابي الذي ظهر في اللحظة الأولى يعود مرة أخرى، لكنه الآن كان يقترب أكثر، وكان يحيط بهم بشكل أكثر وضوحًا. كان شكله مشوشًا، لكنه كان يظهر أحيانًا كظلال سوداء وأحيانًا أخرى كوميض ضوء ضعيف. كانت هذه الكائنات تتنقل بين الأبعاد بسرعة، ولكن هذه المرة كانت تُناديهم.
"إليكم الحقيقة الآن. ولكن لا تخافوا. لا تخافوا من رؤية ما سيظهر أمامكم." قال الكائن الضبابي، وهو يقترب أكثر، حتى أصبح في مواجهتهم. "أنتم في المكان الذي يبدأ فيه كل شيء. وكل شيء ستراه هنا هو جزء منكم."
كانت ليلى تشعر بشيء غريب، وكأن الكائن الضبابي يقرأ أفكارها. كانت تتساءل إن كانت قادرة على تحمل هذه اللحظة.
"ماذا علينا أن نفعل؟" قالت ليلى، وصوتها كان مليئًا بالشك. "كيف نواجه هذا؟"
"لكي تفهموا، عليكم أن تلمسوا الحقيقة." قال الكائن الضبابي، وعيناه تتلألأان كما لو أنه كان يعلم ما يدور في ذهنها. "لكن لا يمكنكم لمس الحقيقة دون أن تعبروا عبر الحواجز التي وضعتموها أنتم أنفسكم."
بدأت الظلال تتحرك بشكل متسارع، وكأنها تغطي السماء. الكائن الضبابي كان يقترب منهم، ولم يعد هناك مكان للهرب. كان يبدو أن كل شيء في هذا المكان كان يرتبط بهم بشكل لا يمكن فصله.
بدأت الظلال تتحرك بشكل متسارع، وكأنها تغطي السماء. الكائن الضبابي كان يقترب منهم، ولم يعد هناك مكان للهرب. كان يبدو أن كل شيء في هذا المكان كان يرتبط بهم بشكل لا يمكن فصله.
"إذا أردتم أن تعرفوا من أنتم، عليكم أن تواجهوا أنفسكم." قال الكائن الضبابي، وهو يشير بيده نحو ليلى. "إذا أردتم الإجابة، عليكم أن تكسروا القيود التي وضعت داخل عقولكم."
وكانت ليلى تراقب كل شيء من حولها يتغير. كانت تشعر وكأن العالم كله كان ينهار، وكانت تشعر بأن شيء ضخم سيحدث في اللحظة التالية.
"أنتم الجزء المفقود من هذه الرحلة." قال الكائن، في همسات أخيرة قبل أن يختفي.
فجأة، تحولت الأرض إلى دوامة هائلة، وكأن الزمن قد انفصل عن المكان نفسه. كانت ليلى تشعر أنها تتسارع عبر هذه الدوامة، وهي لا تستطيع التوقف. كانت الأصوات تتداخل مع بعضها البعض، كانت كلمات الكائن الضبابي تتردد في أذنيها، وكأنها تقترب أكثر من الحقيقة التي كانت تسعى إليها طوال هذه الرحلة.
لكن في اللحظة التي كان يتوقع فيها الجميع أن ينقض عليهم الظلام، بدأ الضوء يخرج من مكان ما في الأفق. كان الضوء ضعيفًا في البداية، ولكنه كان يزداد تدريجيًا، وكأنه كان يدعوهم إلى مكان آخر. كان ذلك الضوء هو الأمل، ولكنه كان أيضًا بداية شيء مجهول.
ليلى كانت تدرك الآن أن ما سيحدث في اللحظة التالية قد يغير كل شيء، ولكنها كانت مستعدة لذلك. كانت قد وصلت إلى نقطة اللاعودة. بعد أن دخلت هذا العالم الغريب، لم يكن هناك مكان للرجوع. كان كل شيء يعتمد على ما سيحدث الآن.
"كل شيء في يديكم الآن." قال الصوت العميق من جديد، وهو يملأ المكان من حولهم. "تستطيعون الآن أن تقرروا: هل تذهبون إلى النهاية أم تفتحون بابًا جديدًا؟"
وكانت ليلى تنظر إلى الأفق، عيونها مملوءة بالفضول والخوف في آن واحد، عندما بدأ الضوء في الزيادة أكثر فأكثر. ولكن فجأة، اختفى كل شيء في الظلام الدامس.
الفصل العشرون: بوابة الأبعاد
كان الصمت يلف المكان، كما لو أن الكون نفسه قد توقف عن الحركة. كانت ليلى واقفة في قلب العدم، وعقلها محمَّل بالأسئلة التي لا تنتهي. كان كل شيء من حولها مشوشًا، غير واضح، كما لو أن الحواف بين الأبعاد قد تلاشت تمامًا. لم يكن هناك شيء ملموس يمكنها التمسك به، سوى الذكريات التي كانت تلاحقها في كل لحظة.
لم تكن تدري ماذا عليها أن تفعل. كل خطوة كانت تتطلب شجاعة لا حدود لها. حاولت أن تسترجع ما حدث في الفصول الماضية: الرحلات الملتوية، اللقاءات الغامضة، الأصدقاء الذين فقدتهم، والأسرار التي كانت تُكشف واحدة تلو الأخرى. في هذه اللحظة، أصبح كل شيء أكثر وضوحًا. كانت على وشك اكتشاف الحقيقة الكبرى، لكنها شعرت بأن هناك شيئًا أكبر ينتظرها في مكان ما.
لكنها لم تكن وحيدة. كانت تعرف ذلك جيدًا. كان هناك آخرون أيضًا. كانوا جميعًا يسيرون في نفس الطريق الملتوي، كل واحد منهم يواجه معركة داخلية، وكل واحد منهم يحمل عبئًا مختلفًا من المعرفة والمخاوف.
"ليلى..." جاء الصوت المألوف من خلفها، وعندما التفتت، كان معاذ يقف هناك، يبتسم بلطف. كانت عينيه مليئة بالحكمة والخوف في آن واحد. "لقد وصلنا إلى هنا معًا، لكن هناك شيء أكبر ينتظرنا."
"ما هو؟" قالت ليلى، بصوت يتأرجح بين الفضول والخوف. "ماذا يحدث الآن؟"
"لقد وصلنا إلى مفترق طرق، ليلى. لدينا خيار الآن." أجاب معاذ، وهو يخطو خطوة إلى الأمام، مشيرًا إلى الظلام الذي كان يحيط بهم. "إما أن نغلق هذه البوابة للأبد، ونبقى في هذا العالم الذي نعرفه، أو نفتح الباب أمام الأبعاد الأخرى. الأبعاد التي لم نرها من قبل."
كان حديثه محيرًا، لكن ليلى شعرت أن هناك شيئًا ما يضغط على قلبها. كانت تدرك أن هذا القرار سيغير حياتهم إلى الأبد. لكن في اللحظة التي كانت تفكر فيها، كان الظلام يزداد كثافة من حولهم. كما لو أن المكان كله كان يوشك على الانهيار.
"ماذا يحدث هنا؟" قالت ليلى، محاولةً أن تجد تفسيرًا لما تشعر به. "هل هذا هو نهاية الطريق؟ هل هذا هو كل شيء؟"
"ماذا يحدث هنا؟" قالت ليلى، محاولةً أن تجد تفسيرًا لما تشعر به. "هل هذا هو نهاية الطريق؟ هل هذا هو كل شيء؟"
وفي لحظة من التوتر والغموض، فُتح أمامهم فجأة فجوة في الظلام. كان الضوء ينبعث منها كأشعة ساطعة، وكأنها دعوة إلى المجهول. في هذه اللحظة، شعرت ليلى بأنها قد تكون على وشك اكتشاف شيء عظيم، لكن في ذات الوقت، كانت هناك قوة خفية تشدها إلى الوراء، إلى العالم الذي عرفته.
"علينا أن نفتح الباب، ليلى." قال معاذ، وهو يمد يده نحو الضوء المتساقط من الفجوة. "علينا أن نواجه المجهول معًا. لأنه هناك حيث تكمن الإجابة."
شعرت ليلى بارتباك داخلي، لكنها أدركت أن الوقت قد حان لاتخاذ القرار. كان كل شيء أمامها، وكان المستقبل غير معلوم. ومع خطوة صغيرة للأمام، تابعت ليلى مع معاذ، الذي كان ينظر إليها بعينيه المليئتين بالتساؤل.
ولكن في اللحظة التي كان الجميع على وشك العبور فيها إلى هذا الضوء الساطع، حدث شيء غير متوقع. فجأة، انفتحت أمامهم بوابة أخرى، أكبر وأكثر تعقيدًا، وكأنها دعوة إلى عالم آخر.
لكن، هل هم مستعدون حقًا للدخول؟ هل سيجدون الإجابات التي يبحثون عنها؟
"إلى أين سنذهب الآن؟" سألت ليلى بقلق.
"لا أستطيع أن أخبرك." أجاب معاذ، مبتسمًا، ثم أضاف: "لكننا سنذهب، مهما كانت الإجابة. نحن الآن على عتبة بداية جديدة."
وفي تلك اللحظة، كانت البوابة العظيمة تفتح أمامهم، مُظهرة عالمًا جديدًا لا حدود له. كانت الألوان والأضواء تتداخل بشكل غير معقول، وكانت الظلال تتلاشى تدريجيًا. هذا العالم الجديد كان يحمل شيئًا أكبر بكثير مما تصوروا. كانت الأبعاد تلتقي هنا، وكأن الزمان والمكان قد اندمجا في معركة أخيرة.
لكن كما هو الحال في كل المغامرات، كانت هناك دائمًا أسئلة لم تجد إجابات بعد.
"هل نحن مستعدون لما سنكتشفه في هذا العالم؟" كان السؤال الذي لا يزال يتردد في ذهن ليلى.
لكن الإجابة كانت ضبابية، كما كانت الطريق أمامهم. لم تكن تعرف ما الذي ينتظرها في عالم الأبعاد المجهول، ولكنها كانت تعلم شيئًا واحدًا: هذا هو مجرد الفصل الأول.
تعليقات
إرسال تعليق