أرصفة سيول - رواية كورية
أرصفة سيول | كوريا الصاخبه
في إحدى ضواحي مدينة سيول الصاخبة، كانت تعيش عائلة بسيطة مكونة من الأم والأب وابنتهما الصغيرة، سونغ-مي
كانت سونغ-مي، ذات الأعوام التسعة، تمتلك عينين لامعتين تملؤهما براءة الأطفال وأحلامهم التي لا تعرف حدودًا.
عاشت العائلة لفترة طويلة في حي صغير تحيط به شوارع ضيقة، مليئة بالمحال الصغيرة والبسطات التي يبيع أصحابها الخضروات والفواكه وأبسط الحاجيات اليومية
ورغم ضيق الحال، كانت العائلة تشعر بالدفء والأمان، وتستمتع بمشاهد شروق الشمس التي تتسلل خيوطها الذهبية عبر نوافذ شقتهم الصغيرة
ولكن، كما يحدث أحيانًا، جاءت الحياة بمفاجآت غير متوقعة. فقد فقد الأب عمله فجأة بسبب أزمة مالية طاحنة اجتاحت الشركة التي كان يعمل بها لسنوات طويلة
ومع تراجع الاقتصاد، بات من المستحيل العثور على وظيفة جديدة بسهولة
كانت الأم تبذل قصارى جهدها لتوفير قوت يومهم، ولكن العمل في تنظيف المنازل لم يكن يكفي لتغطية إيجار الشقة وبقية احتياجاتهم اليومية
ومع تراكم الديون وضغط صاحب الشقة، اضطروا في النهاية لمغادرة منزلهم البسيط الذي كان يحتضن ذكرياتهم وأحلامهم. حملت سونغ-مي حقيبتها الصغيرة، وفيها دميتها القديمة، وبعض الكتب التي كانت تحب أن تغرق في عوالمها كلما ضاقت عليها الحياة.
في ذلك اليوم، لم تفهم الطفلة الصغيرة أن ما حدث هو طردهم من المنزل، لكنها شعرت بالانزعاج والخوف حين أدركت أن تلك الليلة ستقضيها وأسرتها في الشارع
مرت الأيام، وأصبحت حياة العائلة اليومية سلسلة من البحث عن مكان للاحتماء به في الليل، سواء كان ذلك تحت جسر أو في إحدى محطات القطار التي تبقى مفتوحة طوال الليل
كانت الأم تبذل مجهودًا كبيرًا لتجنب تجمهر الغرباء حولهم، وللحفاظ على هدوء ابنتها وطمأنتها بأن هذه الظروف مؤقتة وأنهم سيجدون منزلًا قريبًا
استمر الأب في البحث عن عمل، وكان يسير لمسافات طويلة يوميًا بحثًا عن أي فرصة، لكن كثيرًا ما كان يعود محبطًا بعدما تكررت اعتذارات أصحاب العمل.
في بعض الليالي، كان يجلس صامتًا في زاوية مظلمة، وأحيانًا كانت عيناه تلمعان بدموع خفية
غير قادر على النظر إلى سونغ-مي التي كانت تغفو على كتف أمها
كان يعلم أن الكفاح ليس من أجل نفسه، بل من أجل تلك الطفلة التي لم تعد تستطيع الذهاب إلى المدرسة
التي فقدت حياتها الطبيعية التي كانت تملؤها الألعاب والدراسة وضحكات الطفولة.
بعد أسابيع من العيش في الشارع، بدأت الأم تفكر في الخيارات المتاحة. كانت تعلم أن الكفاح في هذه المدينة أصبح بلا جدوى، وأنه لا أمل في البقاء هنا بدون منزل أو عمل
كانت هناك فكرة تراودها بين حين وآخر: ماذا لو انتقلوا إلى قرية صغيرة في الريف؟
ربما يمكنهم العثور على مكان يعيشون فيه بأقل التكاليف
و ربما يمكنهم التفكير في السفر إلى بلد آخر، حتى لو كان أفقر من كوريا، طالما يمنحهم الاستقرار الذي افتقدوه هنا.
في ليلة باردة، جلست الأسرة تتناقش حول هذه الفكرة. كانت سونغ-مي تستمع إليهم بصمت، بينما تغطيها الأم ببطانية رقيقة عثروا عليها في إحدى محطات القطار
تحدث الأب عن الصعوبات المحتملة في السفر إلى بلد آخر، وعن عدم يقينه من وجود فرص عمل في مكان آخر قد يكون أفقر مما هم فيه الآن
أما الأم، فكانت تركز على احتمالات إيجاد حياة كريمة في مكان بعيد عن صخب المدينة، بعيد عن نظرات الناس الشفقة التي كانت تؤلمها كلما مر بهم أحد في الشارع.
وفي ذلك المساء، اتخذوا القرار الحاسم. قرروا السفر إلى الريف أولاً ومحاولة العيش هناك لفترة من الزمن، على أمل أن يجدوا مكانًا يوفر لهم الأمان الذي افتقدوه.
في صباح اليوم التالي، انطلقوا في رحلتهم نحو الريف الكوري، بعد أن جمعوا كل ما تبقى لديهم من أغراض في حقيبة واحدة، تحمل ذكرياتهم وأحلامهم البسيطة
حمل الأب الحقيبة على كتفه وأمسك بيد سونغ-مي الصغيرة، بينما سارت الأم بجانبهم، تنظر حولها وكأنها تلقي نظرة أخيرة على الشوارع التي عاشوا فيها سنوات طويلة
كان الجو باردًا، ولفحات الرياح التي تهب في الصباح تزيد من شعورهم بالضياع
لكنها لم تنزع الأمل الذي زرعوه في قلوبهم لبدء حياة جديدة.
كانت سونغ-مي تتأمل المشاهد التي تمر من نافذة الحافلة، وهي ترى المدينة تتحول تدريجيًا إلى مروج خضراء وحقول واسعة. كان هذا التغيير في المنظر يبعث في نفسها القليل من الهدوء،
بدأت تتخيل حياةً جديدة في الريف؛ حياة ربما يكون فيها منزل صغير تحيط به أشجار الكرز، وحيوانات مثل الكلاب أو القطط التي طالما أرادت تربيتها
كانت تلجأ إلى هذه الأحلام لتبعد عن ذهنها الأسئلة المقلقة التي تملأ عقلها الصغير
هل سيكون لديهم طعام كافٍ؟ هل ستجد فرصة للذهاب إلى المدرسة مرة أخرى؟ وهل ستحقق عائلتها الاستقرار الذي فقدته؟
عندما وصلوا إلى قرية صغيرة تقع في أطراف الريف، كانت الشمس قد بدأت تغرب، ملقية بأشعتها البرتقالية على الحقول
مما أضفى على المكان هدوءًا ساحرًا يختلف تمامًا عن صخب المدينة
كانت القرية تتكون من مجموعة من البيوت التقليدية المبنية بالطوب والخشب، وكان البعض منها متهالكًا بعض الشيء،
مما دلّ على بساطة الحياة هناك. جالوا في المكان بحثًا عن مأوى، وكانت الأم تسأل بعض سكان القرية إذا كانوا يعرفون أحدًا يمكنه مساعدتهم في العثور على مكان للإقامة.
أخيرًا، وبعد جولة طويلة بين المنازل، التقت العائلة برجل مسنّ يعمل في الحقول، كان يرتدي ملابس ريفية بسيطة وتغطي التجاعيد وجهه، لكنه بدا لطيفًا ومرحبًا.
عندما سمع قصتهم، تعاطف معهم وقرر مساعدتهم، وأشار لهم إلى منزل صغير مهجور على أطراف القرية
كان المنزل قديمًا بعض الشيء، والجدران تحتاج إلى بعض الترميم
لكنهم شعروا أن هذا المكان، برغم تواضعه، قد يكون بداية جديدة لهم
أخذهم الرجل العجوز إلى المنزل، وأعطاهم بعض النصائح عن كيفية إصلاح الأجزاء المتهالكة بمساعدة أدوات بسيطة.
بدؤوا بتنظيف المكان، وكانت سونغ-مي تلتقط قطع الخشب الصغيرة التي وجدتها على الأرض وتحملها إلى الخارج. كانت هذه أول مرة تشعر فيها بأنها تساعد حقًا،
رغم صغر سنها إلا أن الشعور بالمسؤولية جعلها تبتسم بتفاؤل
في تلك الليلة، ورغم كل التعب، شعرت الأسرة بشيء من السكينة. كان المنزل باردًا، لكن حرارة جسدهم وهم متجمعون سويًا حول وجبة بسيطة من الأرز والخضروات التي قدمها لهم بعض جيرانهم الجدد
كانت كافية لتبعث فيهم شعورًا غريبًا بالأمان
بدأت الأم تروي لسونغ-مي قصة قديمة عن قرية مسحورة يعيش فيها مخلوقات لطيفة، وكانت الطفلة تنصت باهتمام، وبدأت تتخيل أن هذه القرية هي القرية المسحورة، وأن حياتهم الجديدة قد تكون مليئة بالمفاجآت السعيدة.
بعد عدة أيام من تلك المحادثة، قررت الأم التحدث مع معلم القرية عن إمكانية تسجيل سونغ-مي في المدرسة
عندما قابلت المعلم، كان رجلًا طيبًا وبسيطًا، يرتدي نظارات سميكة ويبتسم بابتسامة حنونة.
أخبرته عن ظروفهم، وعن حلم ابنتها بالتعلم، ولم تتوقع أنه سيعرض عليها تسجيل سونغ-مي بدون أي رسوم
بعدما تعاطف مع قصتهم وأراد أن يمنح الطفلة فرصة لمتابعة تعليمها.
في صباح مشمس من أيام الخريف، انطلقت سونغ-مي إلى المدرسة برفقة جون-هو وأطفال القرية الآخرين. كانت تحمل بيدها دفترًا جديدًا حصلت عليه من جارتهم العجوز، وكان قلبها يمتلئ بالسعادة والامتنان
J♥️✨
ردحذف❤️❤️
ردحذفجامده
ردحذف....
حذف✨✨✨✨✨✨
ردحذف