رواية الوسواس القهري | سيف هاني
الوسواس القهري | سيف هاني
كل حاجة كانت بتتسائل: "هل ده رأيي أنا؟" أو "هل ده صوت عقلي هو اللي بيقولي الكلام ده؟
في أحد الأحياء البسيطة في القاهرة، كان هناك شاب في العشرين من عمره اسمه سيف
سيف دايمًا كان حاسس بحاجة غريبة جواه، حاجة مش قادرة توصفها بالكلمات، وكأن هناك صراع مستمر في عقله، صراع بين أفكاره وأحاسيسه
من أول ما بدأ يدخل سن المراهقة، بدأ يحس بشيء مش طبيعي. الأفكار اللي بتدور في دماغه مش زي باقي الناس. كل حاجة كانت بتتسائل:
"هل ده رأيي أنا؟" أو "هل ده صوت عقلي هو اللي بيقولي الكلام ده؟" و"هل ده بسبب تجربة مريت بيها؟
كانت الأفكار متداخلة مع بعض بشكل غريب، لدرجة إن سيف مش قادر يفرق بين اللي جواه وبين اللي حواليه.
بدأ يشك في نفسه. في يوم من الأيام، وقف قدام المراية في غرفته وسأل نفسه: "إنت مين؟"
كأن السؤال دا مش مجرد سؤال بسيط. لأ، كان سؤال بيقلب كل حاجة في قلبه وعقله. هل هو سيف اللي بيحس بكل شيء؟
ولا هو مجرد شخصية متخيلة في خياله؟ ولا في حد تاني في عقله بيحركه زي العرائس؟ وده كان بداية الارتباك.
بدأ سيف يحس إن العقل هو العدو اللي مش قادر يتفاهم معاه. الأفكار تتسابق في دماغه، واحدة ورا التانية، وكل فكرة بتحمل معاها شكوكه في نفسه وفي كل شيء حواليه
مرات كان يحس إن عايش في عالم مش حقيقي، وكل حاجة حواليه مش واضحة. هل هو مجرد مفعول به؟ هل فيه شيء جواته بيحاول يسيطر عليه؟
وكان دايمًا بيفكر: "هل الوسواس ده جاي من عقلي؟ ولا من نفسي؟ ولا من عقلي الباطن؟
وكان زي واحد ضاع في متاهة بين الوعي واللاوعي، مش قادر يعرف من فيهم اللي بيمسك خيوط حياته.
مكتئبًا ومعزولًا، قرر سيف إنه يشوف دكتور نفسي، يمكن يلقى إجابة لأسئلته. لما دخل عند الطبيب، بدأ يحكي له عن كل حاجة
الأفكار المتناقضة، الوساوس اللي بتسحب منه القدرة على التفريق بين الحقيقة والوهم
الطبيب، بنظرة هادئة وابتسامة خفيفة، قال له: "الوسواس اللي بتشوفه مش من نفسك، لكن هو مجرد صوت عقلك الباطن اللي بيحاول يوجهك
لكن الأهم إنك تعيش معاه وتواجهه، مش تهرب منه
كان كلام الطبيب بالنسبة لسيف زي ضوء في نفق مظلم. حس كأن فيه حاجة بدأت تنكشف قدامه. مش هو اللي في مشكلة، لكن عقله الباطن هو اللي بيرتب الأفكار بالشكل ده
هو مش مجنون، هو بس عنده صراع داخلي محتاج لفهمه.
ومع مرور الوقت، بدأ سيف يلاحظ التغيير في نفسه. بدأ يدرك إن كل فكرة وسواسية هي مجرد رسالة من عقله الباطن، وبدل ما يهرب منها، قرر إنه يقابلها ويشوفها كجزء من نفسه.
كلما تفهم نفسه أكتر، كلما بدأ يقدر يعيش اللحظة، يتعامل مع أفكاره، ويختار أي منهم هياخد شكل في حياته. سيف ما بقاش مجرد شاب ضايع في أفكار مش مفهومة
بقى واحد فاهم نفسه، رغم إنه مش دايمًا يعرف إيه اللي جواه. الأهم إنه قدر يتحمل المسؤولية عن أفكاره، ويواجهها بحب بدل الخوف.
في يوم، وهو واقف قدام المراية تاني، سأل نفسه: "إنت مين؟
المرة دي، كان الجواب مش زي المرات اللي فاتت. المراية، كأنها مش بتعرض له مجرد صورة جسده، لكن كأنها بترجع له صورة من الأفكار والمشاعر اللي كانت مدفونة جواته.
سيف كان متوتر، فكره بيدور بسرعة، وكل حاجة بدأت تتشابك. "هل أنا الشخص اللي في المراية؟ ولا هو مجرد وهم؟
فكر مليًا، وكأنه بيحاول يسترجع كل لحظة في حياته، كل قرار أخده، وكل تجربة مر بيها، عشان يحدد هو مين فعلاً.
فكّر في كل اللحظات اللي كان فيها غير واثق من نفسه، اللحظات اللي كان فيه قلق وتردد، وساعات كان حاسس إنه مش هو اللي بيتصرف، إن فيه حاجة تانية جواه بتتحكم فيه.
--- وفجأة، بدأ صوت في رأسه يهمس ---
أنت مش كل اللي بتشوفه. إنت أكتر من كده. إنت مش مجرد جسد، ولا أفكار، ولا حتى مشاعر. إنت المزيج اللي بين ده كله
وكان الصوت دا مش غريب عليه، لكن كان غريب في توقيته، وكان زي لمسة من عقله الباطن بتخاطبه.
بدأ سيف يتأمل في نفسه أكتر، ويفكر في الحيرة اللي جواه. هو مش قادر يعرف إذا كان عقله هو اللي بيرسم له الصورة دي عن نفسه ولا إذا كان هو مجرد أداة في يد مشاعر وأفكار ماضية
الأفكار دي كانت بتخليه مش قادر يفرق بين الحقيقة والوهم، بين اللي هو عايز يكونه وبين اللي عقله بيدفعه ليه.
أغمض عينيه في محاولة لتهدئة الأفكار المتراكمة، لكنه لم يستطع التخلص منها. الصوت جواه بدأ يزداد وضوحًا
إنت ليه مش قادر تتقبل إنك مش كامل؟
ليه بتفكر إنك لازم تكون شخص واحد؟ فيك كل الأجزاء دي، وكل جزء فيك ليه دور. أنت مش بحاجة إنك تكون ثابت. فيك التغير، وفيك اللاتوازن
هو واقف كده، كأن الزمن وقف معاه، بدأ سيف يفهم شيئًا مهمًا. مش كل حاجة لازم تكون واضحة، مش كل حاجة لازم تكون في مكانها الصحيح عشان يكون الإنسان كامل.
كل فكرة كانت بتلعب دورها، كل لحظة حيرة كانت جزء من تشكيله، كل شك كانت لبنة في بناءه.
وفجأة، فكر في الأيام اللي فاتت، لما كان بيشك في كل حاجة حواليه. هل هو شخص ضعيف بسبب الوساوس؟ ولا هو شخص قوي بيقدر يواجه نفسه؟
كان بيشوف كل شيء من خلال عدسة واحدة، عدسة بيشوف فيها نفسه ككائن عاجز
لكن دلوقتي، بدأ يكتشف إن الوسواس مش هو اللي بيخليه ضعيف. بالعكس، هو كان بيكتشف جزء من ذاته كان مخبي عنه لفترة طويلة.
"يعني أنا مش مجنون؟" فكر سيف بصوت عالي. "يعني الوسواس ده مش هو الحقيقة
ده مجرد جزء من عقلي، جزء من المزيج اللي جوايا؟
بدأت الأفكار تدور في دماغه بسرعة أكبر، لكنه دلوقتي قادر يميز بينها. كل فكرة كانت مجرد جزء من رحلة طويلة.
قرر سيف إنه لازم يتقبل الوساوس اللي جواه بدل ما يهرب منها. لازم يقابلها بعقل هادئ ويفهم منها رسائل عقله الباطن
مش يعتقد إنها تهديد ليه. كان عارف إن المشكلة مش في وجود الوساوس، لكن المشكلة كانت في مقاومته ليها. زي لما واحد بيحاول يحارب نفسه، وهو مش قادر يواجهها إلا إذا اتقبلها.
وفي اليوم ده، قرر إنه يبدأ في التغيير. كان لازم يبدأ يفكر بطريقة مختلفة، يتعامل مع الوساوس كجزء من شخصيته، مش كعدو لازم يتخلص منه
فكر في حاجة بسيطة لكنها كانت ثورية بالنسبة له: "أنا مش هكون كل حاجة في نفس اللحظة. أنا هكون الشخص اللي أنا فيه دلوقتي، مش الشخص اللي المفروض أكونه."
لكن بعد شوية، حس بشيء غريب. كل شيء حواليه كان بيبدأ يبان في صورة مختلفة. الضوء في الغرفة بقى أهدأ، والظلال على الجدران بقت أكثر وضوحًا
بدأ يلاحظ تفاصيل صغيرة ما كانش بيشوفها قبل كده. كان بيشعر كأن عقله بقى مفتوح على أكتر من زاوية، وبقى قادر يلاحظ كل فكرة وكل شعور من غير ما يحكم عليهم.
هل ده معناه إنني هعيش مع الوساوس دي للأبد؟
سأل نفسه. ولكن الجواب ما كانش صادم زي ما كان متوقع. "لا، مش للأبد. بس هعيش معاهم بشكل مختلف. هتعلم منهم وأنتقل لمرحلة تانية."
في الأيام اللي جاية، سيف بدأ يكتشف نفسه ببطء. بدأ يكتب عن أفكاره، يحاول يعبر عن اللي جواه من غير خوف. وحاول يقترب من الناس بصدق
من غير ما يخاف من نظرتهم له. كان كل يوم بيكتشف شيء جديد، وكان بيشعر إنه مش لوحده في المعركة دي. كأن كل شخص بيحمل وساوسه الخاصة، وكل واحد فينا بيحارب صراع داخلي في صمت.
ورغم الصراع المستمر، شعر سيف بشيء عميق جوه. كان قادر يتقبل نفسه، مش فقط مع أفكاره
لكن مع كل مشاعره، كل وسواس، وكل فكرة. وفي كل مرة كان يقف قدام المراية، كان بيشوف صورة مختلفة لنفسه
مش صورة ثابتة، لكن صورة متغيرة، صورة من مزيج من التجارب، الأفكار، واللحظات المتفرقة.
🤍🤍🤍
ردحذفالوسواس القهري هو مرض حقيقي نفسي ويرتبط إرتباط مباشر بإختلال كيميائي في المخ
ردحذففي سماع صوتك حنين إليك لا تعلمه.
ردحذفاستطعت أن أكون معك على طبيعتي دون أي تصنع أو أي مجاملة، فأنت تحبني كما أنا، وأنا أهواك كما أنت.
أحب صوتك حين تحاول تقليد لهجتي وتتحدث كأنك أنا.
M💘💘💘💘
M🤍
ردحذف