رواية اللعبة الملعونة - مهرج غريب الأطوار في ضواحي المغرب
قد يعجبك
اللعبه الملعونه | كاترينا يوسف
كنت دائمًا أحاول أن أكون انثى جيده. لقد تربيت على يد والدين متفهمين ورحيمين، علموني أن أكون عقلانيه ومنفتحًا. دائمًا كنت أؤمن بأنك إذا لم يكن لديك شيء جيد لتقوله، فمن الأفضل ألا تقول شيئًا على الإطلاق
كان هذا هو النهج الذي اتبعته في حياتي، ولطالما كان كذلك. اللطف لا يكلف شيئًا، والسماح للأحكام المسبقة بالسيطرة على تفكيرك يمكن أن يمنع شيئًا جميلًا من أن يتحقق. ولكن كان هناك شيء جعل معدتي تتقلص وساقي تتوقف وترتعش عند رؤية الرجل الذي كان أمامي
كان الوقت متأخرًا، وربما هذا ما جعلني أشعر بعدم الارتياح. لقد كان يومًا طويلًا، حيث بدأت نوبتي في وقت مبكر من الصباح، ثم استلمت ساعات عمل "سامي"
الذي لم يظهر في العمل. الإرهاق الناتج عن الوقوف المستمر أرهقني، وكذلك خدمة العملاء التي كانت تتطلب ابتسامة واسعة وصبرًا طويلًا
شعرت بالارتياح أخيرًا عندما انتهت نوبتي في مطعم "ليتيز بانكيك" في تمام الساعة الثامنة مساءً. مع حلول الخريف، كانت الساعات تصبح أظلم، والليالي أبرد، وتتطلب المزيد من الطبقات الدافئة مع اقتراب عيد الهالوين
لم يكن من المفاجئ أن أرى شخصًا في زي تنكري. عيد الهالوين أكثر شعبية واحتفالًا في المغرب مقارنةً بموطني في مصر
لم أتمكن سوى من إلقاء نظرة على الرجل الجالس على مقعد في ساحة المدينة، يلوح بشكل غريب للأشخاص المارين
كنت معتاده على أن تكون الألوان التي يرتديها المهرجون أكثر إشراقًا وأن تكون أزياؤهم مليئة بالأنماط الصاخبة. ولكن هذا الرجل كان أقرب إلى شخصية الميم
فقد كان يرتدي زيًا باللونين الأبيض والأسود من رأسه حتى قدميه، مع قبعة صغيرة سوداء
لم يكن هناك أنف إسفنجي فوق أنفه الحقيقي، بدلاً من ذلك كان أنفه طويلًا ومعوجًا، وكان ينتهي بنقطة سوداء صغيرة كما رأيت.
كانت شفتاه مطلية بأحمر شفاه فحمي بشكل كثيف، وكان ملمس اللون مُلطخًا ليكمل المظهر. في الحقيقة، لم يكن الأمر غير عادي تمامًا
لكن هناك شيء في مؤخرة ذهني كان يخبرني أن أستدير وألا أنظر خلفي. كان هذا شعورًا سخيفًا
لا أستطيع إنكار ذلك
وبينما كنت أشاهده للحظة أخرى بعينين زرقاوين مرهقتين،
هززت رأسي، مما سمح لبعض خصلات الشعر الأشقر التي لم تنضم للباقي في كعكة شعر فوضوية أن تلمس شفتي المتجهمتين. أخذت لحظة لهضم الموقف واستجماع قوتي لمواصلة السير.
لم أكن أعاني من رهاب المهرجين
لم يكن لدي أي سبب للخوف منهم، وهذا الرجل لم يفعل شيئًا ليشجعني على ذلك. كان فقط يلوح أو يقوم بتعابير تتناسب مع الموسيقى التي كانت تنبعث من مكبرات الصوت في الشارع
لم يكن هناك شيء فظيع ليزعجني، لذا أومأت برأسي لنفسي، وعدلت الحزام القرمزي لحقيبتي الكتف فوق كتفي، واستأنفت المشي.
عادةً ما كنت أستمع لموسيقاي الخاصة لتعطيني القوة خلال رحلتي إلى المنزل. لم تكن المسافة طويلة بشكل خاص، لكنها كانت تجعلني أشعر بأنني أصل إلى الشقة بشكل أسرع.
لكن عندما غادرت صباحًا، كنت قد رتبت مع زميلتي في السكن "ليلى" أن تأخذني بالسيارة
قبل أن تُمدد نوبتي. لو كنت أعرف أن الأمور ستسير على هذا النحو، لكنت طلبت منها أن تأخذني. هذا الأمر جعل ذهني أكثر توترًا، وسمعي أصبح أشد حدة.
بشفاه مشدودة، وبخت نفسي مرة أخرى بينما تعثرت في خطواتي. كان حذري يزداد كلما اقتربت أكثر من الرجل ذو الألوان الأسود والأبيض.
"أنت كمان بتكرهم؟" سألني صوت رجالي وأنا أقفز مفزوعة
لأرى رجل أطول مني بشعر أشعث يقف خلفي عندما التفت برأسي.
"ما باثقش فيهم، وده مهرج مرعب جدًا."
لم أستطع إلا أن أهز رأسي موافقة على كلامه، وكأنني شجعته، فاقترب ليصبح بجانبي
وكانت أسنانه تبرز وتحتك بشفتيه بعصبية. عيناه البنيتان الدافئتان نظرتا في عينيّ بشكل مريح. "هامشي جنبك لو انتي كمان مشيتي.
"اتفقنا." لأن في النهاية، الأمان بيكون في العدد. ابتسم لي الرجل ردًا على موافقتي.
"واضح إنك مش من هنا. اللهجة؟"
أجبته "أمسي كاترينا " مصريه كرر السؤال وقال تمامp>
"أنا إسحاق، شريك محترف في مواجهة المهرجين."
"ماكنتش أعرف إننا بنستخدم ألقاب." ضحكت وأنا أُميل رأسي بابتسامة، كنت مستعدة يكون لي شريك في
الموقف ده. كان مريحًا إنني مش الوحيدة اللي حاسة بعدم الارتياح.
مرت بضع ثوانٍ طويلة من الصمت، نحتاج خلالها لالتقاط أنفاسنا. هو تحديدًا بدا متوتر جدًا عند اقترابنا أكثر
لكن كان ده الطريق الوحيد أو كنت هضطر آخد طريق طويل تم إغلاقه جزئيًا بسبب حادث غير محدد حصل في وقت سابق من اليوم.
مكنتش حابة أجازف بالتعامل مع المرور أكتر من التعامل مع الشخصية الغريبة دي اللي كانت تلوح بشكل مبالغ فيه للي يعدي، وتعمل وجوه مضحكة للآخرين. هززت رأسي وحاولت أستجمع أي قوة داخلية لسه موجودة في عظامي المرهقة.
"بتعرفي أي حاجة عن الدفاع عن النفس؟"
"أنا بعرف أصرخ." قلت بسرعة وأنا أعدل حقيبتي الكتف وأكسب بعض الوقت. ابتسم إسحاق ابتسامة ضعيفة، وشفتيه ترتجف في محاولة للحفاظ عليها.
"زي عفريتة." وعدته
"طيب، يلا بينا." خطى إلى جانبي الأيمن، وبقي قريبًا مني وأخذ وضعية مستقيمة. مسح بيده على جلد معطفه ثم مرر يده على لحيته كما لو كانت طقوس حظ قبل ما نتحرك سوا للأمام.
كانت الأغنية بالفعل تتغير، من أغنية كانت مشهورة جدًا إلى صوت يشبه التشويش، والريح بدأت تبرد أكتر وخليتني أرتعش.
"ولا مرعب خالص." قالها بجواري وأنا أومأت بالموافقة، كان فيه حاجة غريبة في الجو، ومش مجرد البرد. المهرج اللي قدامنا كان وقف عن مضايقة واحد سكران وبص في اتجاهنا
بتسامة جديدة وأوسع ظهرت على شفتيه الملطختين باللون الأسود لما شاف ضحاياه الجداد.
"ولسه مش مرعب برضه."
كان في نبرة من الهلع في صوت إسحاق، وخطواته أصبحت أقرب إليّ لدرجة أن مرفقه كان يحتك بحقيبتي مع كل خطوة حتى اقتربنا تدريجيًا من بعضنا
مكبرات الصوت بدأت تصدر صوت تشويش أعلى قبل ما يطلع منها صوت يشبه صوت آلة البانجو،
لم أستطع إلا أن أنزل رأسي، مركزًا على حذائي الرياضي بدلًا من النظر إلى المهرج
كان كل شيء فيه ينذر بالشؤم،
مع ذلك كنا نقترب منه أكثر. الأغنية المبهجة لم تكن تُشعرني بأي راحة، ومع شعوري بتردد إسحاق، تعثرت أنا في خطواتي ورفعت رأسي. انقبض صدري فجأة
وأحسست أن أنفاسي توقفت في حلقي، ودقات قلبي تسارعت بينما تراجعت إلى الوراء فجأة عندما وجدت المهرج واقفًا في طريقي.
إسحاق سحب حزام حقيبتي وحاول أن يقترب أكثر.
فكرت في وعدي بأنني أستطيع الصراخ، لكن عندما التقت عيناي بعينيه السوداوين الداكنتين، شعرت أنني متجمدة في مكاني. أمرت نفسي أن أفعل أي شيء، أي شيء
"أهلاً..." شهقت وأنا أشعر بالغباء فورًا وتراجعت خطوة أخرى للخلف عندما انحنى على ركبته
رفعت حاجبي مشككة في نواياه، وزاد شكي عندما حاول أن يمسك يدي
لكن إسحاق كان أسرع، ومنعه بإحدى يديه، مما جعل المهرج يعبس للحظة قبل أن تختفي العبوسة
ثم أشار بيده المغطاة بالقفاز بيننا كما لو كان يحاول الفهم. تبادلت نظرة مع إسحاق الذي كان ينظر إليّ بتردد قبل أن يهز رأسه بالموافقة. ولو لثانية واحدة، بدا أن التظاهر أمام هذا الرجل هو الخيار الأكثر أمانًا.
المهرج ضرب رأسه بيده ثم استقام واقفًا، وبدت على وجهه علامات التفكير، ثم رفع يده مشيرًا لنا ألا نتحرك
أملت رأسي بحذر، ومن بين خصلات شعري كنت أراقبه بحذر وهو يتجه نحو كيس قمامة
بدأ يُحدث ضجيجًا وهو يحرك الكيس، قبل أن يفتح السدادة. انحنى فوق الكيس ليحجب ما كان يفعله، وظلت أنفاسي متجمدة غير قادرة على الخروج.
"مش قادر أتحمل ده." قال إسحاق بسرعة وهو يسحبني معه من حزام حقيبتي
الموسيقى توقفت فجأة ثم عاد صوت التشويش، بينما مر تيار من الهواء البارد عبرنا
مع اقتراب الشتاء والليالي اللي بتصبح أظلم وأبرد
كان ده آخر شيء نحتاجه
نظرت بسرعة إلى مكبرات الصوت وهي تشوش وتتوقف عن العمل، لكن إسحاق أصدر صوتًا جعلني ألتفت فورًا، حيث عاد المهرج للوقوف بيننا. كان يبدو غير سعيد بتجاهلنا لأوامره، مصرًا على لعب أي لعبة كانت تدور في رأسه.
"اسمع يا ...-"
"لازم نمشي." قطعت كلام إسحاق وسحبت بيدي على قماش معطفه بينما ضيق المهرج عينيه المرسومتين عندما بدأ الإساءة تتشكل على شفاه إسحاق. "إحنا عندنا مشوار..."
أمال المهرج رأسه مثل البومة وهو ينظر إلي، قبل ما يفتح يديه اللي كان مخبّيها من وقت رجوعه من عند الكيس. في كف يده كانت زهرة صغيرة مزيفة مطلية باللون الأسود
كان ساق الزهرة مفقودًا، ولم يتبق سوى الرأس العلوي ليظل الزهرة متماسكة. مدّها نحوي بإصرار وأنا أضغط شفتيّ. إذا كان ده هيرجعه للخلف بسرعة، فكنت مستعدة أضحي عشان الفريق وأنا أرفع يدي المرتجفة.
"شكرًا؟"
"أعتقد قصدك تقول..." "شكرًا."
كررت، وشعرت بقشعريرة تسري في عمودي الفقري وصولًا إلى رقبتي
بابتسامة عريضة ومبتهجة، أعطاني المهرج الزهرة المقطوعة الرأس، ثم وضع يده اليسرى تحت يدي ويده اليمنى دفعت الزهرة للأسفل.
شعرت بألم حاد يندفع في كفي، والإحساس الساخن يتسلل منها. اتسعت عيناي بينما هو يواصل الابتسام ويدفع الزهرة لأسفل. الدموع انهمرت على وجهي، ولم أستطع كتم الصرخة العالية من شدة الألم.
"إيه اللي بيحصل!" صاح إسحاق وهو يشعر أن هناك شيء خاطئ. الآن كان بإمكاني رؤية خيوط رفيعة من اللون القرمزي تخرج من منتصف يدي، تتدفق عبر أصابعي ومعصمي. كنت أنزف، والمهرج كان يتأكد من ذلك.
"سيبني." أمرته بينما هو وضع يده تحت يدي بالقرب من أذنه كأنه يتظاهر بأنه لم يسمعني. حاولت أسحب ذراعي،
بينما أمسك إسحاق بغضب بطوق قميصه. "سيبني!"
وأنا أواصل محاولتي لتحرير نفسي، قام المهرج بتقليد ضحكة قبل أن يتركني. أسقطت الزهرة وشاهدتها تلمع في ضوء القمر، كاشفة عن شفرة حادة كانت مختبئة داخلها. "يا إلهي..."
"إنت عبيط ولا إيه!"
صاح إسحاق بينما كنت أتفحص الجرح الطويل والعميق الذي كان ينزف بغزارة في جلدي.
الألم اجتاح حواسي، والسائل الحار لا يزال يتدفق بينما قبضت يدي، صرخت من شدة الألم وأنا أفعل ذلك
المهرج واصل الضحك بصمت، ممسكًا بجانبه كما لو كان يتألم من الضحك. بدون تضييع الوقت
قذف إسحاق نفسه عليه غاضبًا، ودفعه إلى الأرض بقوة لينهي ضحكته
المهرج بدا غاضبًا وهو يصطدم بالأرض، ورأسه تصطدم بالكيس الذي كان بجانبه. "إنت حيوان!" صاح إسحاق بينما كان يدوس عليه، أحذيته الثقيلة تضرب ضلوعه.
كانت ساقاي ترتعشان بنفس القدر الذي كانت ترتعش فيه شفتيّ قبل أن يمسك إسحاق بذراعي ويدعمه عند الكوع. "لازم نروح المستشفى حالًا."
"وكمان لازم نبلغ الشرطة." همست وأنا أحاول أبقى هادئة قدر الإمكان في ظل الظروف. أومأ إسحاق برأسه، والتفت ينظر إلى المهرج اللي كان واقف من جديد، ينفض الغبار عن نفسه. أشار بإصبعه نحو إسحاق، ثم ابتسم ابتسامة شريرة كشفت عن أسنانه المصبوغة بالحبر الأسود
أضواء الشارع جعلت عينيه تتوهج وهي تعكس النور، بينما أطلقت مكبرات الصوت صوتًا غاضبًا أشبه بزئير، في اللحظة اللي سحبني إسحاق بقوة وسرعة عبر الزقاق، بعيدًا قدر المستطاع، وهو يصرخ على أي شخص يقترب بألا يقترب من "المجنون اللي لابس مكياج."
لم نكن الحادثة الوحيدة التي حصلت، كان واضحًا ذلك بينما كنا ننتظر في قسم الطوارئ.
تم الإبلاغ عن المهرج بإيجاز كرسالة للشرطة التي من المفترض أنها في الطريق. كانت قصة لفتت انتباه الكثير من الناس حولنا،
سواء كانوا يشكّون في الأمر أو فقط يريدون معرفة التفاصيل. لم أستطع إلا أن أشك في أن الفضول هو السبب الحقيقي
مش زي إننا في مدينة مراكش, هجمات المهرجين مش حاجة شائعة، مهما كنت أتمنى أن رجلًا في بدلة باتمان يظهر علشان ينهي القصة.
كان حولنا خليط من الإصابات، ولم أستطع إلا أن أشعر بالشفقة على نفسي
على مدى ضعفي وقلة حيلتي في هذه المواقف، ولأني لم أتمكن من الاعتماد على نفسي
ضغط إسحاق بلطف على الضمادة اللي على يدي، وكتم تثاؤبه، وده زاد إحساسي بالذنب أكتر. كان واضح عليه الهدوء بشكل غير طبيعي، ومع إني ما عرفتهوش لفترة طويلة، إلا إني كنت حاسس إن ده مش طبعه.
"فـ..." تنفست بهدوء، وقاطع تأمله لإصابتي لينظر في عينيّ. "أنا مبقتش أثق في المهرجين." رغم كل شيء، ارتسمت على شفتيه ابتسامة خفيفة وهز رأسه بإرهاق.
"صح." وافقني إسحاق وقال: "مش هعدي جنب واحد تاني أبدًا.
لمهرج المجنون." همست بصوت متعب، وأنا أحاول أتجاهل منظر القماش اللي عليه بقع الدم. كنت لسه بنزف، وما كانش ده غريب بالنظر لمدى إصرار المهرج المريض إنه يأذيني لمجرد تسليته السادية.
"المهرج المجنون." كرر بنفس الإرهاق. ضحكت غصب عني، والضحكة غسلتني كأنها موجه ثقيلة. كانت الحكاية كلها زي كابوس سيء، لكن لقيت راحة في إني مش لوحدي. ومع ذلك، ما كانش المفروض إنه يتحمل ده
أنا اللي كنت غبية كفاية إني أعمل اللي المجنون أشار عليّ أعمله. ماكنتش همد إيدي لمدمن، طيب ليه كنت ساذجة كده؟
يمكن التعب أو الخوف، لكن في الحالتين، فات الوقت على التفكير في اللي حصل. حصل خلاص، وإحنا دلوقتي في زوايا المستشفى البيضاء، وروائح المنظفات مش بتساعد في تخفيف الدوار اللي كنت بأحاول أهزمه. "واضح إنه بيوجع."
"ده بيدغدغ." كذبت فورًا وكسبت نظرة مشككة منه. "لا، بيوجع جدًا."
"كان لازم أسحبك بعيد بدري."
"كان المفروض أصرخ زي ما وعدتك." رددت بحركة كتفي نادمة. كان من السهل نلوم نفسي
لكن الحقيقة إن ده ماكنش ذنبه. هو كان غريب عني، لكن كان زي السامري الصالح، وأنا كنت ممتنة له. ومع ذلك
وأنا بحاول أتحرك على الكرسي المزعج، ماقدرتش أمنع نفسي من التنهد. عيناه كانت محمرة من التعب
وكمان مرة حاول يقاوم تثاؤب بصعوبة، ويده لسه ممسكة بإيدي. بعدين نزع القطن، ووضعه في حامل الكرتون اللي كان معانا، واستبدله بقطعة نظيفة.
"مش لازم تفضل هنا." قلته وهو على طول عبس.
"مش هسيبك كده."
"هكون كويسة، دي مجرد جرح. يمكن هحتاج شوية غرز أو ضمادة."
"وكمان هحتاج أكلم الشرطة."
"سيب رقمك. هما قالوا لنا إنهم مشغولين النهارده وممكن ياخدوا وقت." اقترحت، "معلش يعني، بس شكلك زي ما أنا حاسة."
"كان يوم طويل." اعترف بصوت متعب لكنه هز رأسه بحزم. "مش عايز أكون لوحدي."
عضيت شفايفي ووافقت، مستسلمة للجدال في اللحظة دي. كنت متأكدة إنه حتى لو صممت، مش هيكون مستعد أكتر إنه يعمل اللي قلته.
مد رجليه الطويلة من على الكرسي كإشارة إنه مش ناوي يروح، وأنا حَسيت براحة أكتر واسترخيت شوية في مكاني.
"هي." صوت مخمور ناداني وأنا لمحت من فوق كتفي الراجل المهترئ اللي قاعد كام مقعد قدامنا، حاطط كيس تلج على راسه. كان لابس جوانتي من غير صوابع،
وكشف عن صوابعه الوسخة وهو عامل إشارة بأنفه كأنه بيعمل صوت زمّار، وبعدين انفجر في ضحك خشِن. كان بيسخر منا. هززت راسي وتجاهلته وبصيت على الأبواب الأوتوماتيكية
محاولاش أديله فرصة إنه يستفزني، وأغمضت عيني وأنا بسمع الموسيقى الهادئة من الراديو. اللي حصل حصل.
"هي!" صوته اللي مليان ضحك ناداني تاني. تجاهلته لحد ما سمعت كلمة "يا حقيرة" بصوت عالي
ما أخدتش بالي من الكلمة، وبصيت على الأبواب وهي بتتفتح قدام ست شايلة طفل صغير، وملامح وشه كانت شاحبة.
كانت بتبكي وتصرخ تطلب مساعدة، والممرضة جريت عليها هي واللي كانوا واقفين ورا المكتب.
"المهرج!" صاحت الأم وهي تبكي. "ادالها حلاوة! قلت لها إنها ممكن تاخدها! قلت لها إن مفيش مشكلة!" حاولت تنطق وهي مش قادرة، وحجروها سرير وسحبوه على طول بره، والطفلة خرجت معهم، والأم المفزوعة بتصرخ وراهم، وأنا شَدت نفس تقيل.
إيزاك همس بكلمة شتيمة وهو بيبص على الراجل المهترئ، والابتسامة اللي كانت على وشه اختفت تمامًا وبقى شكله في حالة صدمة من اللي شافه. ما بقاش فيه أي أثر للتهكم أو السخرية.
"لسه شايف ده مضحك؟" قلت بنبرة جافة. الموضوع مش مزحة، وكان واضح إنه في ضحايا تانيين للمجنون ده. الراجل ما ردش، ببساطة، لف وجهه. جنب مني، إيزاك ضغط على ركبته وأخذ نفس ثقيل.
"ممكن يكون نفس الشخص؟"
"مؤكد." قالها وهو بياخد نفس مبحوح. الرعب كان واضح على وشه وهو مركز نظره على الباب اللي كان بيتهز من تأثير الفزع. ومع الوقت، بدأ يرجع هادي لما الباب فتح واتقفل مرة أخيرة. "لازم يكون هو."
"لسه مش عايز تروح البيت؟"
كان الجو في الغرفة كأنما تجمد في لحظة، بينما كان شكل المهرج يظهر مرة أخرى
وضرباته المنتظمة بأصابعه على الزجاج كانت تبعث قشعريرة في جسدي.
تلك الخطوط القرمزية التي تركها وراءه زادت من الرعب الذي اجتاح صدري. حاولت أن أتماسك وأحافظ على تنفسي ثابتًا،
لكن قلبي كان ينبض بسرعة غير طبيعية. شدَّت يد إيزاك على يدي، قبضته كانت مؤلمة تقريبًا، وكأننا نتمسك ببعض الثبات في وسط هذا الفوضى.
لم أستطع أن أرفع عيني عن المهرج. ابتسامته الواسعة والمخيفة كانت تعصف بي، وكانت أسوأ جزء في الأمر. الشعور بالإحساس بالقدر - كان هنا من أجل شيء، وليس فقط ليرهبنا. كان هدفه أن يؤذينا، أن يعذبنا مرة أخرى.
بدأ الناس من حولنا يذعرون، يتحركون بسرعة نحو المكتب أو يحاولون الوصول إلى أبواب المستشفى المغلقة، يائسين من الهروب. نظرت إلى إيزاك، وكأننا بصمت نقرُّ على حقيقة أننا في خطر مجددًا.
"ماذا يفعل هذا اللعين؟" همست، أحاول الحفاظ على هدوئي قدر المستطاع، رغم أن صوتي كان يرتعش. المهرج، وهو لا يزال...
بينما كانوا يهرعون في فوضى، لاحظت اللمعة الفضية التي تخرج من يد المهرج، وهو يحمل المنشار اليدوي بالقرب من رأسه. أشار مجددًا إلى إيزاك بابتسامة مفرطة
وأخذ الأداة الحادة يتأرجح بها في يديه قبل أن يرفعها فجأة إلى رقبته. لسان شاحب ورمادي تسلل من بين أسنانه المتعفنة وهو يميل رأسه إلى الجنب بعينيه المغلقتين.
التهديد كان واضحًا، ورغم أنني حاولت أن أتمالك نفسي وأبتعد عن تلك النظرة، لم أستطع أن أقطع عيني عنه، حتى استقام المهرج ووجه رأسه نحوي، وأشار بيده الحرة قبل أن يرفع حقيبته ويختفي في ظلام الليل. اهتز وهو يبتعد، وكان إيزاك يرتجف بجانبي، يحاول أن يبقى قويًا بينما أخذت نفسًا عميقًا.
"نعم، من الأفضل أن تبقى هنا." همست بصوت مرتجف، وأنا أنظر حولي إلى الأشخاص الذين انضموا إلينا في الصف الخلفي وهم في حالة من الرعب
"لا مزاح..." أجاب إيزاك بصوت متهدج، وهو يلتقط أنفاسه بصعوبة. ثم سمعنا صوت المرحاض الذي تدفق فجأة من الغرفة المجاورة، وخرج الرجل الثمل من الكبائن، رافعًا حاجبه السمينة.
"ما كان بهذا السوء." دافع عن نفسه وهو ينظر إلى الوراء. "مش زي ما كنت أقدر أتحمل بعد كده."
"اليوم بيزداد سوءًا." تمتم إيزاك بلهجة قاسية، "يلا يا رجل، على الأقل اقفل الباب."
هنا انتهيت وهكمل في الفصل الثاني
خيال
ردحذفمتألقه كاترينا دايما❤️
ردحذف