window.dataLayer = window.dataLayer || []; function gtag(){dataLayer.push(arguments);} gtag('js', new Date()); gtag('config', 'G-E83B0XCGHP'); روايه ألوان الحياة | تأليف سيف هاني روايات | موقع القرائه العربي: روايه ألوان الحياة | تأليف سيف هاني

شارك

روايه ألوان الحياة | تأليف سيف هاني

تم نسخ الرابط

ألوان الحياة | سيف هاني

في مدينةٍ صغيرة، بين الجبال الشاهقة والشوارع الهادئة، وُلد ثلاثة أصدقاء اختلفت طبائعهم وأفكارهم


لكن جمعتهم أواصر الحياة في ذات المكان


كان أولهم فادي، ابن الأسرة المثقفة التي تملأ جدران بيتهم رفوف الكتب المتراصة من الأرض إلى السقف


كان والده يعمل أستاذاً في الفلسفة، وقد نمت لديه منذ الصغر عادة طرح الأسئلة والتأمل في كل شيء من حوله


فادي كان يفكر دائماً في العالم على أنه لغزٌ يجب حله؛ كان يؤمن بأن الحقيقة في متناول الجميع، لكنها مغطاة بطبقاتٍ من الغموض الذي يحتاج إلى إزالة.


أحمد، صديقه الثاني، كان مختلفاً تماماً. نشأ في عائلة محافظة تقيّم المبادئ والقيم التقليدية


ويعمل والده كنجار، يعشق الخشب وتفاصيله ويحوله بأصابعه الماهرة إلى تحف فنية رائعة. كان أحمد يرى أن العمل هو الذي يعطي للحياة معناها


وأن الشخص يجد هويته في الأشياء التي يصنعها. لم يكن يُعير الفلسفة ذلك الاهتمام الذي يعطيه فادي، بل كان يؤمن بأن "الإنسان لا يحتاج إلى فلسفة إن كان يجيد صنع شيء بيديه


أما الثالث، آدم، فقد كان ابناً لرسام متأمل. منزلهم كان مليئاً بالألوان الزاهية، حيث تشغل لوحات والده الجدران


كان والده من النوع الذي يغرق في أحلامه، ويعتقد أن الحياة هي لوحة كبيرة، وأن كل شخص يلونها بطريقةٍ ما. ورث آدم عن والده حبّ التأمل لكنه كان يتأرجح بين واقعه وأحلامه


كانوا يتجمعون مساءً في زاوية المقهى الصغيرة قرب بيت فادي، حيث يمضون الساعات يتبادلون الأحاديث


وكان نقاشهم غالباً يدور حول قضايا كبرى، كالحقيقة، والحرية، والحياة


كانوا مثل الأضداد الذين يكملون بعضهم البعض، فكل منهم يأتي من زاويةٍ مختلفة ويفتح آفاقاً جديدة لأصدقائه.


- في إحدى الليالي، جلس فادي وهو يحمل كتابًا لفيلسوفٍ مشهور، قائلاً: "أشعر أنني كلما قرأت، ازدادت تساؤلاتي أكثر، وكأن المعرفة ليست شيئاً يُجاب عليه بل شيئاً يستدعي المزيد من الأسئلة."


- رد أحمد ساخراً: "وأنا أرى أن كل هذه الأسئلة تشغل ذهنك بلا فائدة، إنك تفكر بما لا يُفكَّر فيه، يا صديقي. الحياة أسهل مما تتخيل، يكفيك أن تعمل بجد وتكون شخصاً مفيداً."


- ابتسم آدم وقال: "ربما فادي يبحث عن معنى أكبر، شيء لا يراه في الحياة اليومية. أما أنا، فأعتقد أن الجمال يكمن في الأحلام، وفي الأشياء التي لا نستطيع تفسيرها تماماً."


مرّ الوقت وكبر الأصدقاء الثلاثة، وتفرقت بهم السبل قليلاً. فادي تابع دراساته الأكاديمية، وازداد إلماماً بالفلسفة لكنه أصبح أكثر عزلة


كان يرى أن فهمه للعالم أصبح عبئاً عليه؛ كان يشعر أنه منفصل عن محيطه، كأنه يعيش في عالم من الأفكار يختلف عن عالم الناس العاديين.


أما أحمد فقد أصبح نجاراً محترفاً مثل والده، وفتح ورشته الخاصة. كان سعيداً بإنجازاته، ووجد في العمل اليدوي نوعاً من الطمأنينة.


كان يرى أنه بإمكانه التأثير في محيطه بشكل مباشر، دون الحاجة لفهم المعاني العميقة للحياة.


وأما آدم، فقد بدأ يرسم لوحاته ويبيعها في المعارض، لكنه شعر بعد فترة أن الرسم لوحده لا يُشبِع روحه التوّاقة. كان يرى أن اللوحة بحد ذاتها غير مكتملة


وأنها لا يمكن أن تحتوي كلّ أحلامه، فراح يبحث عن طرق أخرى للتعبير، ربما في الموسيقى أو الكتابة.


وفي أحد الأيام، تقابلوا من جديد، وقد كبر كل منهم، وحمل معه جزءاً من الحياة. جلسوا كما اعتادوا في مقهاهم القديم، إلا أن نظرتهم للعالم قد تغيّرت


قال فادي: "لقد قضيت سنواتٍ أبحث عن الحقيقة، لكنني الآن لا أعرف إن كانت موجودة أصلاً. كلما ازددت علماً، ازددت غربة. ربما كنت مخطئاً، ربما كان عليّ أن أعيش الحياة دون هذا الكمّ من الأسئلة."


ال أحمد، وقد وُضعت أمامه كؤوس الشاي: "أنت يا فادي مثل من يحاول بناء بيت على السحاب. أما أنا فقد بنيت بيتي بيدي، أعرف معناه وأعرف حدوده، وهو يكفيني. لماذا تبحث عن معنى قد لا يكون موجوداً؟"


بعد تلك الليلة التي اجتمعوا فيها، بدأت مشاعرهم بالتحرك وتختلف رؤاهم للحياة بشكلٍ أعمق، كأن كل منهم يحمل مرآة مختلفة يرى من خلالها العالم.


فادي، مع مرور الأيام، كان يزداد انعزالًا، مستغرقًا في أفكاره، وكان يجول بنظره في الأشياء المحيطة بنظرة متسائلة، باحثًا عن رموز وخفايا تعبر عما هو أبعد من المظاهر


كان يرى الشارع الذي يسير فيه الناس مجرد مسرح، والبيوت على جانبيه كأنها صناديق تحوي حياة غامضة، لا يعرفها إلا من عاشها


كان يشكل له لغزًا جديدًا. كانت البيئة التي نشأ فيها، في بيت يعج بالكتب والمناقشات الفكرية، قد رسخت لديه هذا الشغف بالتأمل


لكن في نفس الوقت، هذا الشغف جعله وحيدًا نوعاً ما؛ إذ كلما ازداد تفكيره في فلسفة الحياة، شعر بأنه يغوص في أعماق يصعب الخروج منها للسطح.


كان فادي يتحدث لأحمد وآدم عن فكرته بأن لكل شيءٍ حولهم دلالة، وبأن كل حدث في الحياة ربما يكون جزءًا من ترتيب أكبر لا يفهمه الإنسان تماماً


كان يقول لهما في إحدى الليالي، وهو يحدق في النجوم المتلألئة في سماء المدينة


هل فكرتما يومًا في أن كل ما حولنا قد يكون جزءًا من لغز أكبر، وأننا مجرد قطع صغيرة في لعبة لا نعرف قواعدها؟


كانت عيناه تلمعان وهو يتحدث، ووجهه يبدو كأن عليه سحابة من التساؤل والبحث


أحمد كان يتململ من كلام فادي أحيانًا، ويراه نوعاً من العبث. في نظره، كان هذا التأمل في المجهول بلا فائدة، وكأنه نوع من الهروب من الحقيقة البسيطة الواضحة التي يراها في كل يوم بعمله كنجار


كان يرى أن الإنسان يجب أن يركز على واقعه ويكون منتجًا وفعالاً في مجتمعه، وأن ينظر إلى الحياة ببساطة وبصراحة، دون تعقيد


في ورشته، كانت الأشياء واضحة، الخشب أمامه، والأدوات في يديه، وباستطاعته صنع شيءٍ ملموس يراه ويراه الآخرون. لم يكن يحتاج إلى تحليل كل خطوة أو التفكر في مغزى وجود كل قطعة خشب، بل كان يستمتع بالتحدي البسيط: تحويل الخشب إلى شيء ذو فائدة.


وفي إحدى الليالي، وبينما كان فادي يتحدث عن "المعنى الخفي وراء الأشياء"، قاطعه أحمد قائلاً


يا فادي، ربما أنت تُعقّد الأمور أكثر مما تستحق. لماذا يجب أن يكون لكل شيء معنى؟ أليس كافياً أن نعيش، أن نعمل، أن نجد السعادة في صنع شيءٍ مفيد؟ أنا أرى الحياة كما هي أمامي، بلا تعقيد.


كانت كلمات أحمد، المستقاة من بيئته العملية والمباشرة، تثير في قلب فادي أسئلة جديدة حول قيمة العمل البسيط، ولكنها لم تكن تقنعه، بل كان يرى أنها تزيد من حجم التساؤلات لديه.


أما آدم، فقد كان يستمع إلى أصدقائه ويتأمل كلماتهما كأنه يحيا في عالم بين عوالمهم. في الحقيقة، آدم كان أقرب إلى الحلم منه إلى الواقع


كان يذهب كل يوم إلى المرسم ويبدأ في الرسم، لكنه لم يكن يلتزم بمعايير محددة، بل كان يرسم ما يشعر به، ما يراه في ذهنه


بغض النظر عما يراه الناس. كل لوحة كانت في نظره قطعة من روحه، وكل لونٍ كان يُعبر عن مشاعر داخله.


لم يكن آدم يرى أن الحياة تحتاج إلى تفسيرٍ عقليّ كفادي، ولا أن العمل في حد ذاته هو كل شيء كما يؤمن أحمد. بل كان يرى الحياة كأنها سلسلة من الصور والمشاعر التي تعبر عما لا تستطيع الكلمات وصفه


كان يقول لأصدقائه: "أحياناً أشعر أن اللوحة تستطيع أن تبوح بأشياء لا أستطيع أن أصفها. الرسم، بالنسبة لي، هو مزيج من الحلم والواقع. الحياة ليست سؤالاً ينتظر إجابة، بل هي لوحة نرسمها، وكل لونٍ فيها له معناه الخاص


وبينما كان أحمد يرى كلام آدم كأنه كلمات فارغة، يرى فيه فادي جانبًا من الحقيقة لكنه يبقى مبهماً له. وفي إحدى المرات، بينما كان الثلاثة يتبادلون أفكارهم كالعادة


سأل فادي آدم: "ولكن، آدم، كيف تعيش بلا إجابة؟ كيف تملأ الفراغ بداخلك إذا كنت ترى أن الحياة مجرد لوحة، ولا تبحث عن شيء ثابت خلفها؟"


ضحك آدم وقال: "يا فادي، ربما الفراغ ليس شيئًا سيئًا كما تتصور. الفراغ في اللوحة هو الذي يعطي المساحة للألوان لتتألق، ربما يجب أن نقبل وجود الأسئلة بلا إجابات، ونكتفي بجمال اللحظة."


هكذا ظل الأصدقاء الثلاثة كل منهم يضفي رؤيته الخاصة على الحياة، ويعمّق تأملات أصدقائه بطرقه المختلفة


كان فادي يحمل هموم الفكر والأسئلة التي لا تنتهي، ويزداد قلقه كلما اقترب من الحقيقة دون الوصول إليها


وكأنها سراب يتلاشى كلما اقترب منه. وأحمد يزداد حبًا لعمله وثقته بأن عمل اليد هو أصدق تعبير عن الهوية. أما آدم، فقد كان يتنقل بين ألوانه، مستغرقًا في عالمٍ خاص، يراه كأنه حلم يتحقق في كل يوم دون حاجة للتفسير


وبرغم اختلافاتهم، كانوا يدركون أن كل منهم يمتلك جزءاً من الحياة، وأن رؤى بعضهم البعض كانت تشكل لوحة أكبر


لوحة للإنسان في رحلته الطويلة الباحثة عن معنى قد يكون أقرب مما يظنون، وقد يكون، ببساطة، في عيون بعضهم البعض


حقوق الطبع والنشر محفوظه للناشر

تعليقات

إرسال تعليق

Pages

Subscrip